فصل: سؤال: لم نسب الحسبان إليه عليه الصلاة والسلام؟

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فائدة في قراءة قوله يقول:

قرأ نافع يقول: بالرفع على أنها حكاية حال ماضية، وفائدته تصوّر تلك الحال العجيبة واستحضار صورتها في مشاهدة السامع ليتعجب منها وقرأ الباقون بالنصب. اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

.سؤال: لم نسب الحسبان إليه عليه الصلاة والسلام؟

الجواب: نسبة الحسبان إليه عليه الصلاة والسلام إمّا لأنه لما كان يضيق صدره الشريف من شدائد المشركين نزل منزلة من يحسب أن يدخل الجنة بدون تحمل المكاره، وإمّا على سبيل التغليب كما في قوله سبحانه: {أَوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنَا} [الأعراف: 88]. اهـ.

.سؤال: فإن قيل: قوله: {أَلا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ} يوجب في حق كل من لحقه شدة أن يعلم أن سيظفر بزوالها، وذلك غير ثابت:

قلنا: لا يمتنع أن يكون هذا من خواص الأنبياء عليهم السلام، ويمكن أن يكون ذلك عامًا في حق الكل، إذ كل من كان في بلاء فإنه لابد له من أحد أمرين، إما أن يتخلص عنه، وإما أن يموت وإذا مات فقد وصل إلى من لا يهمل أمره ولا يضيع حقه، وذلك من أعظم النصر، وإنما جعله قريبًا لأن الموت قريب. اهـ.

.أسئلة وأجوبة لصاحب ملاك التأويل:

قوله تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب}، وقال في سورة آل عمران: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}، وفى سورة براءة: {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة} ففى البقرة وآل عمران: {أن تدخلوا الجنة} وفى براءة: {أن تتركوا} وفى سورة البقرة: {ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم} وفى آل عمران وبراءة: {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} وسورة آل عمران: {ويعلم الصابرين} وفى براءة: {ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة} فهذه ثلاث سؤالات.
والجواب عن جميعها على الجملة أن وجه اختلافهما والله أعلم ورودها أعقاب قصص مختلفة وقضايا متغايرة فآية البقرة واردة على ما تقدمها من خطاب المؤمنين على العموم والتسوية في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة} ثم حذرهم بقوله: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات}. الآية وأشار الواقع جوابا من قوله: {إن الله عزيز حكيم} إلى قدرته تعالى على من زل فحاد وتنكب بعد وضوح الأمر فكان الكلام في قوة أن لو قيل بحسب أفهامنا القاصرة: فإن زللتم فحدتم وتنكبتم عن سلوك المنهج الذي أمرتم به بعد بيان الأمر فاعلموا أنه قادر على أخذكم وعقابكم لا يفوته هاربكم ولا يخرج عن قهره أحد منكم عليم بما تخفونه وتسرونه ثم ذكرهم بحال غيرهم فقال تعالى: {سل بنى إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة} الآية، ثم عرفهم بتزيين الدنيا للكافرين تسلية للمؤمنين فيما حف بمطلوبهم الأخروى من المكاره وأخبرهم بما لهم في الآخرة إن صبروا واتقوا فقال: {والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة}، ثم أخبرهم بما كان الأمر عليه أولا من كون الناس أمة واحدة ثم اختلفوا فبعث الله النبيين. الآية فلما خاطبهم بهذا كله وحصل من ذلك ومن إحالة الآى على أحوال من تقدم وإشارتها إلى ما ابتلوا به مما وضح منه صعوبة التخلص إلا بعد الصبر وتحمل المشقة مع سبقية التوفيق أعقب بقوله إشارة إلى تسلية المؤمنين فيما يصيبهم فقال: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة} الآية فعرفهم أنه لابد من الابتلاء والاختبار: {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم} وأتبع بقوله تعالى: {مستهم البأساء والضراء} إلى ما ذكر سبحانه في قوله: {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء} فهذه الآية أعنى آية البقرة لم يقع فيها تخصيص بغير المستجيبين المحسنين في إجابتهم لا من وجهة اللفظ ولا من وجهة المعنى فناسبها الإطناب وذكر حال من تقدم من الأمم في ابتلائهم.
وأما آية آل عمران فخوطب بها أهل أحد تسلية فيما أصابهم وخص فيها ذكر الجهاد والصبر ولم يقصد في الآية أخبار بغير ذلك لأنها ترتيب واقعة مخصوصة فهذا ما انفردت به واختصت عن آية البقرة فقال تعالى: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين} فلم يذكر هنا غير الجهاد والصبر.
أما آية براءة فخطاب المؤمنين ممن شاهد فتح مكة وإعلام لهم بأنهم لا يكمل إيمانهم إلا بمطابقة ظواهرهم بواطنهم في ألا يقع منهم صغو إلى غير ما بايعوا الله عليه من الإخلاص فلا يجحدون ولا يعتمدون من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين ما يعتمدونه موئلا أو مرجعا فإنه سبحانه لا يخفى عليه ما أسروه وتحوم الآية على ذم من اتصف بصفة النفاق فأظهر خلاف ما أبطن، وقد تقدم قبلها ما يدل على ذلك من قوله تعالى: {يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم} فحذر المؤمنون من هذه الصفة وعرفوا أنه لابد من ابتلائهم واختبارهم لتخلص أحوالهم وتمتاز من أحوال المنافقين وأنهم لم يتركوا دون ابتلاء واختبار ليميز الله الخبيث من الطيب وهذا من بعضهم لبعض أعنى الاطلاع بعد الاختبار والله سبحانه غنى عن هذا وعليم بما تنطوى عليه كل نفس وما تكنه الضمائر وإنما ثمرة الابتلاء والاختبار عائدة علينا ليطلع بعضنا من بعض على ما لم يكن ليطلع عليه لولا الاختبار وعلمه سبحانه لا يتوقف على ابتلائنا ولا يتجدد عليه شيء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا فالمراد بالآية: أم حسبتم أن تتركوا دون اختبار يفصل بين أحوالكم وأحوال المنافقين المذكورين فيما قبل ولم تتعرض الآيتان من سورة البقرة وآل عمران لذكر نفاق بالافصاح ولا بإيماء بخلاف آية براءة فلما اختلفت المقاصد اختلفت العبارات في مطلع الآى وختامها بحسب ذلك والله أعلم. فتأمل اتحاد الوليجة وقوله: {والله خبير بما تعملون} وتخصيص اسمه سبحانه: {الخبير} يلح لك ما قصد بهذه الآية. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)}.
أخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {أم حسبتم} الآية قال: نزلت في يوم الأحزاب، أصاب النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ وأصحابه بلاء وحصر.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر عن ابن عباس قال: أخبر الله المؤمن أن الدنيا دار بلاء، وأنه مبتليهم فيها، وأخبرهم أنه هكذا فعل بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم فقال: {مستهم البأساء والضراء} فالبأساء الفتن، والضراء السقم {وزلزلوا} بالفتن وأذى الناس إياهم.
وأخرج أحمد والبخاري وأبو داود والنسائي عن خباب بن الأرت قال «قلنا يا رسول الله ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟ فقال: إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه لا يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه لا يصرفه ذلك عن دينه، ثم قال: والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ولما يأتكم مثل الذين خلوا} أصابهم هذا يوم الأحزاب حتى قال قائلهم {ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورًا} [الأحزاب: 12].
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة {مثل الذين خلوا} يقول: سنن الذين خلوا من قبلكم {مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول} خيرهم وأصبرهم وأعلمهم بالله: {متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب} فهذا هو البلاء والنغص الشديد، ابتلى الله به الأنبياء والمؤمنين قبلكم ليعلم أهل طاعته من أهل معصيته.
وأخرج الحاكم وصححه عن أبي مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليجرب أحدكم بالبلاء وهو أعلم به كما يجرب أحدكم ذهبه بالنار، فمنهم من يخرج كالذهب الإِبريز فذلك الذي نجاه الله من السيئات، ومنهم من يخرج كالذهب الأسود فذلك الذي افتتن». اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عاشور:

المس حقيقته: اتصال الجسم بجسم آخر وهو مجاز في إصابة الشيء وحلوله، فمنه مس الشيطان أي حلول ضُر الجنة بالعقل، ومسُّ سَقر: ما يصيب من نارها، ومسَّه الفقر والضر: إذا حل به، وأكثر ما يطلق في إصابة الشر قال تعالى: {وإذا مس الإنسان ضر دعا} [الزمر: 8] {وإذا مس الإنسان الضر دعانا} [يونس: 12] {وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض} [فصلت: 51] {ولا تمسوها بسوء} [الأعراف: 73] فالمعنى هنا: حلت بهم البأساء والضراء. وقد تقدم القول في البأساء والضراء عند قوله تعالى: {والصابرين في البأساء والضراء} [البقرة: 177].
وقوله: {وزلزلوا} أي أزعجوا أو اضطربوا، وإنما الذي اضطرب نظام معيشتهم، قال تعالى: {هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالًا شديدًا} [الأحزاب: 11]، والزلزلة تحرك الجسم من مكانه بشدة، ومنه زلزال الأرض، فوزن زلزل فُعفِل، والتضعيف فيه دال على تكرر الفعل كما قال تعالى: {فكبكبوا فيها} [الشعراء: 94] وقالوا لَمْلَم بالمكان إذا نَزل به نزولَ إقامة.
و{حتى} غاية للمس والزلزالِ، أي بلغ بهم الأمر إلى غاية يقول عندها الرسول والذين معه متى نصر الله.
ولما كانت الآية مخبرة عن مسَ حل بمن تقدم من الأمم ومنذرة بحلول مثله بالمخاطَبين وقت نزول الآية، جاز في فعل يَقُول أن يعتبر قولَ رسول أمة سابقة أي زلزلوا حتى يقول رسول المزلْزَلين ف (ال) للعهد، أو حتى يقول كلُّ رسول لأمة سبقت فتكون أل للاستغراق، فيكون الفعل محكيًا به تلك الحالة العجيبة فيرفَع بعد حتى؛ لأن الفعل المراد به الحال يكون مرفوعًا، وبرفععِ الفعل قرأ نافع وأبو جعفر، وجاز فيه أن يعتبر قول رسول المخاطَبين عليه السلام فأَلْ فيه للعهد والمعنى: وزلزلوا وتزلزلون مثلهم حتى يقول الرسول فيكون الفعل منصوبًا؛ لأن القول لمَّا يقَعْ وقتئذ، وبذلك قرأ بقية العشرة، فقراءة الرفع أنسب بظاهر السياق وقراءة النصب أنسب بالغرض المسوق له الكلام، وبكلتا القراءتين يحصل كلا الغرضين.
ومتى استفهام مستعمل في استبطاء زمان النصر. اهـ.

.فائدة لغوية في {أم}:

قال ابن عادل:
أم هذه فيها أربعة أقوالٍ:
الأول: أنْ تكون منقطعةً فتتقدَّر ببل والهمزة. فبل لإضراب انتقالٍ من إِخْبَارٍ إلى إِخْبَارٍ، والهمزةُ للتقري. والتقدير بل حسبتم.
والثاني: أنها لمجرد الإضراب مِنْ غير تقدير همزة بعدها، وهو قول الزَّجَّاج وأنشد: الطويل:
بَدَتْ مِثْلَ قَرْنِ الشِّمْسِ فِي رَوْنَقِ الضُّحَى ** وَصُوَرتِهَا أَمْ أَنْتِ فِي الْعَيْنِ أَمْلَحُ

أي: بل أنت.
والثالث: وهو قول الفرَّاء وبعض الكُوفيِّين، أنها بمعنى الهمزة. فعلى هذا يُبتدأُ بها في أوَّل الكلام، ولا تحتاجُ إلى الجملة قبلها يضرب عنها.
الرابع: أنها مُتَّصلةٌ، ولا يستقيم ذلك إلا بتقدير جملةٍ محذوفةٍ قبلها.
قال القفَّال: أم هنا استفهامٌ متوسطٌ؛ كما أَنَّ هَلْ استفهامٌ سابقٌ، فيجوز أَنْ يقال: هل عندك رجلٌ، أَمْ عندك امرأَةٌ؟ ولا يجوز أَنْ يقال ابتداءً أَمْ عندك رجل، فأَمَّا إذا كان متوسطًا، جاز سواءٌ كان مسبُوقًا باستفهامٍ آخر، أو لا يكون، أَمَّا إذا كان مسبوقًا باستفهام آخر فهو كقولك: أنت رجلٌ لا تنصف، أفعن جهل تفعلُ هذا، أم لك سلطانٌ؟ وأَمَّا الذي لا يكون مسبوقًا بالاستفهام؛ فكقوله: {الم تَنزِيلُ الكتاب لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ العالمين أَمْ يَقُولُونَ افتراه} [السجدة: 1- 3] فكذا تقدير هذا الآية: فهدى اللَّهُ الذين آمنوا فصبروا على استهزَاءِ قومهم، أفتسلكُون سبيلهم أم تحسبون أَنْ تدخُلُوا الجنَّةَ مِنْ غيرِ سلوكِ سبيلهم. اهـ.